إستراتيجية التنمية السياحية الشمولية لإقليم الحسيمة

إستراتيجية التنمية السياحية الشمولية لإقليم الحسيمة


       I.      ضرورة ربط الساحل بالجبل

إذاكانت الديناميكيات السوسيوإقتصادية و المجالية بإقليم الحسيمة مبنية على موارد هشة ،فإن مساهمة القطاع السياحي تظل هامشية، باستثناء بعض المجالات الساحلية و على الخصوص مدينة الحسيمة و المناطق المحيطة بها التي تمارس جاذبية موسمية على السياح خلال موسم الصيف. و هذا يفسر تركز أهم المنجزات السياحية بالإقليم رغم قلتها بهذا الحيز المجالي الضيق.
في حين تكاد  تنعدم جاذبية المناطق الداخلية و الجبلية للسياح, فلم يكتب لها اللاستفادة من المنجزات السياحية، باستثناء-فندق المغرب السياحي بإساكن-المنصف الذي شيد سنة 1962 و ظل يتيما إلى يومنا هذا.
النشاط السياحي بالمناطق الساحلية يبقى موسميا أي يقتصر على فصل الصيف فقط. و هذا يعني ان الإمكانات الكبيرة التي تتوفر عليها هذه المناطق لم تثمن إلى حد الأن، و المستغل منها يتم بطريقة مرتجلة و غير عقلانية. و إذا أخذ بعين الإعتبار المؤهلات السياحية في الإقليم، و اسنادا إلى بعض الدراسات و البحوث التي أنجزت حول المنطقة نقدم مجموعة من الأفكار و المقترحات الهادفة إلى تنميمة القطاع السياحي.
   خلصت الدراسة التي أنجزته وزارة السياحة سنة 1994 حول استراتيجية الإعداد السياحي بمجال PAI DAR-med و كشف عن نتائجها سنة 1998، إلى أن القطاع السياحي بأقليم الحسيمة يعاني من عدة معوقات تحول دون تطويره. و تأتي في مقدمتها عزلته و هيمنة الطابع الموسمي على النشاط السياحي. فعلى الرغم من الغنى الثقافي و الطبيعي الذي يتميز به هذا الإقليم ، فإن السياحة تعيش وضعية صعبة. إنها لا تقوى على المنافسة، و انشطتها جد متركزة خلال شهري يوليوز و غشت. لهذا فإن استراتيجية التنمية السياحية على المدى القريب و المتوسط تستدعي تنويع المنتوج السياحي(تنويع العرض) بالعمل على خلق التكامل بين البحر و الجبل. فإلى جانب الإهتمام بتثمين السياحة الشاطئية، ينبغي إنعاش السياحة غير البحرية وتثمينها كالقنص و المغامرة و التزحلق على الثلج إلخ...و لإقليم الحسيمة كل المؤهلات لتحقيق هذا التكامل بحيث يمكن ربط المناطق الساحلية مباشرة بجبال الريف العليا كتامة إساكن و تغزوت، الشئ الذي سيمكن من تخفيف الضغط على المناطق الساحلية . و هذا سيؤدي لا محالة إلى خلق فرص الشغل على مدار السنة بدل فصل الصيف فقط. و الضغط المفترض على الساحل لن يتزايد بطبيعة الحال إلا بالرفع من جاذبيته عبر تثمين الإمكانات التي يزخر بها. و بما أن ساحل إقليم الحسيمة جزء من المنطقة السياحية المتوسطية المغربية الممتدة من طنجة إل السعيدية، يبدو من المنطقي اعتبار تنمية القطاع السياحي بإقليم الحسيمة غير منفصلة عن استراتيجية التنمية السياحية لمجموع الساحل المتوسطي عوض تصورها في الإطار الإداري الضيق لللأقليم(جهة تازة,تاونات الحسيمة).و تطبيق هذه الإستراتيجية تستدعي العمل على:

-تقوية و تدعيم التجهيزات المتوفرة حاليا في بعض الشواطئ و تجهيز و فك العزلة عن العديد من المواقع التي يصعب الوصول إليها.
-تطوير و تشجيع السياحة بالشواطئ الصغيرة الواقعة عند مصبات الأودية و العمل على إدماجها في الوسط الطبيعي لكي تصبح عنصر تحريك للأنشطة المحلية الأخرى.
-إنجاز المحطة السياحية لكلايريس في معاير التنمية المستدامة ، ذلك أن المنتزه الوطني لبقيوة الذي يجمع بين البحر و البر و نقاوة مياه البحر، و الغنى الطبيعي و الثقافي يجعل هذه المنطقة مؤهلة لإنشاء قطب سياحي متوسطي كبير. و من شأن التخطيط للسياحة الإكولوجية و الرفع من جاذبية الساحل بصفة عامة. كما أن ضمان نجاح مشروع من هذا الحجم لن يتحقق إلا بتقوية وتعبيد البنية الطرقية الموجودة حاليا و بناء طرق جديدة تتقاطع مع الطريق الساحلي المتوسطي لأنها ستحفز الإستثمارات السياحية.
-تثمين المؤهلات الساحلية لخليج الحسيمة في الإنجازات السياحية الحالية  و تنشيط و تطوير الأنشطة السياحية و الترفيهية و الرياضية البحرية و إعطاء نفس جديدة للمناطق الخلفية.
- النهوض بتجهيز الشواطئ الصغرى في إطار تبني مقاربة تشاركية بإشراك الساكنة والمجتمع المدني النشيط و بإشراك الجماعات المحلية في توفير البنية التحتية الضرورية. الأخذ بعين الاعتبار الإقبال المتزايد  للسياح على المنتوج البحري و رغبتهم المتزايدة في الإقامة بالسكن الجماعي و المخيمات، يستلزم توفير هذا النوع من المنشآت خصوصا و أنها لا تتطلب استثمارات كبيرة. و في هذا الإطار يمكن للجماعات المحلية أن تلعب دورا مهما في إنجاز هذا النوع من المشاريع. كما يمكن للمهاجرين أيضا أن يستثمروا في هذا المجال لو تم تشجيعهم و توجيههم. غير أن تأثير السياحة سيبقى محصورا في المناطق الساحلية إذا لم يتم ربطها بالمجالات الجبلية. فتحقيق التكامل بين القطاعين و التخفيف من اختلال التوازنات بين الساحل و المناطق الداخلية يستدعي بالضرورة تطوير السياحة الجبلية.

                  II.      تطوير السياحة الجبلية:
إن الرقعة الممتدة من تركيست جنوب غرب مدينة الحسيمة مرورا بتيزي يفري و وصولا إلى أعلى قمم الريف الأوسط العالي (جبل تدغين و جبل تغزوت) تتوفر على ظروف جد ملائمة لتطوير السياحة الجبلية من النوع الراقي. لكن يبق حضورها باهتا في الوقت الحاضر (المشي و القنص و ركوب الخيل و التزحلق على الثلوج في فصل الشتاء...). و في هذا الإطار يمكن صياغة عدة إقتراحات تصب في اتجاه تثمين وإنعاش هذا الجزء المنسي من السياحة في الإقليم. يأتي في مقدمتها تحسيس القرويين مالكي المنازل، و الجماعات المحلية بأهمية تهيئة دورهم و تكييفها مع حاجيات سياح الجبل. فإن هذه الخطوة قابلة بأن تجد أذانا صاغية لدى نسبة مهمة منهم و سيما و أن جزءا من سكان هذه الجبال تعودوا منذ بدايت السبعينات، على التعامل مع الأجانب و استضافتهم. ذلك انها كانت محج العديد من الأجانب، و في حالة ما إذا لم يتحمس السكان لهذه المبادرة فيمكن إنشاء مأوي قروية أخرى و ربطها بالمسارات السياحية الإقليمية و الجهوية وترويجها ضمانا لنجاحها.
و على ذكر المأوي ينبغي للجماعات المحلية أن تكون طرفا أساسيا في إنجاز و تجهيز و تسيير هذه البنيات. إضافة إلى الخواص الذين يتوفرون على إمكانيات مالية مهمة. إن الإستثمار في هذا النوع من البنيات سيؤدي إلى تطوير السياحة الإيكولوجية التي يمكن أن تلعب دورا أساسيا في تنمية المنطقة لو توفرت البنيات التحتية الضرورية.
-تثمين الهبة الربانية المتنوعة التي تحضا بها منطقة أزيال بالعود إلى إحياء المشروع السياحي الطموح الذي أقبر في بداية الستينات و المتمثل في بناء مركب سياحي بدوار أزيلا (عند قدم جبل تدغين) و تشييد القرى السياحية بالمناطق الجبلية. فباتفاق بين الحكومة المغربية و منظمة الأغذية و الزراعة آنذاك تم التخطيط لبناء مدينة من الحجم المتوسط بمنبسط إسكان تتسع لما يزيد على 45000 نسمة ستعمل على هيكلة المجال الجبلي. لكن لاعتبارات سوسيوسياسية و اقتصادية أقبرت هذه المشاريع في المهد. و لم يظهر للوجود سوى فندق وحيد-فندق المغرب السياحي-ظل يتيما يقاوم قساوة الظروف الطبيعية.
- ضرورة بناء قرية سياحية بتغزوت،القرية التي تغري زوارها بساكنتها المضيافة وبمنتوجات صناعها التقليديين ذات الإشعاع الدولي.فتغزوت يمكنها أن تمارس جاذبية كبيرة على السياح الذين يهوون الطبيعة، و الذين يتزايدون بإيقاع سريع. ومن شأن هذه القرية السياحية أن تبعث روحا جديدة في تغزوت التي تعاني من عزلة وقساوة الطبيعة، بتثمين وحماية الموروث الطبيعي  وتشجيع أهل تغزوت على الإعتناء بمشاراتهم المجهرية واستغلالها في إنتاج مواد محلية ذات قيمة عالية تلقى إقبال من قبل السياح عوض أن تكتسها "عشبة" الكيف .هكذا يمكن إعادة الإعتبار للمنتوجات المحلية أي منتوج الرساتيق التي يكثر عليها الطلب من قبل السياح الإيكولوجيين.
              III.      تثمين عمليات القنص ومنتوجاتها: 
  لجبال الريف الأعلى ومواقع أخرى داخل تراب إقليم الحسيمة مؤهلات قنصية مهمة لكنها غير مستغلة بطريقة عقلانية،وغير مستثمرة.فعلى الرغم من أن هذه المناطق تعرف توافد العديد من هواة الصيد خلال كل موسم،فإن تأثير تأثير هذا النشاط على الإقتصاد المحلي يبقى ضعيفا،بينما توجد عدة إمكانيات لتنشيط هذا القطاع.
الصيد كمنتوج سياحي له قدرة كبيرة على جاذبية فئات اجتماعية متنوعة وطنية واجنبية،الشيء الذي يمكن أن تستفيد منه عدة قطاعات اقتصادية محلية وإقليمية ،كالفلاحة و الصناعة التقليدية و التجارة و الخدمات. كما يمكن أن يساهم في خلق فرص الشغل بطريقة غير مباشرة عبر إنعاش الانشطة الخدماتية كالمطاعم و الفنادق أو بطريقة مباشرة من خلال ترشيد ومصاحبة الصيادين .
في الواقع يمكن القول إلى أنه على الرغم من أن سكان إقليم الحسيمة لا يراهنون كثيرا على السياحة لتنمية منطقتهم،فإن هذا القطاع على عكس ما تتصوره العامة يستطيع أن يساهم بدور فعال في إعادة التوازن إلى الإقليم شريطة أن تتوفر الرغبة في القضاء على المبررات التي عرقلت تطوره وجعلت تأثيره هامشيا.
               IV.      تراث الريف العريق يستدعي الصيانة و تثمينه سياحيا.
   إن المستقرئ لتراث الريف التقليدي في عمقه التاريخي سيتقاطع لا محالة مع ما خلص إليه عالم الإجتماع الآسيوي داريوش شايغان في كتابه أوهام الهوية، عندما قال:"و نأسف لفقدان الهوية الذي يهدد الحضارات التقليدية،كما نرثي لحال هذه الحياة المتفاوتة التي نحياها، هذه الحالة القريبة من الشيزوفرينيا."
  فماذا يقصد بالتراث؟ وما علاقة التراث بالهوية الوطنية؟ وما موقع تراث الريف (الحضارة الأمازيغية) ضمن سياسة إعداد التراب الوطني؟

     جاء في التصميم الوطني لإعداد التراب:خلاصة: "لا يقتصر مفهوم التراث على الذاكرة التي تشكلت لدينا عن الحقب الماضية أو عن المواطن والمشاهد المتميزة التي تزخر بها طبيعتنا، فالتراث يشمل كل الموروثات الحضارية التي تراكمت عبر التاريخ، و ذلك كيفما كان شكلها،و هكذا، و على سبيل المثال، فإن التراث اللامادي أو اللامرئي يشكل أحد المكونات الأكثر أهمية، ويتعلق الأمر بالثقافة والمهارات وأساليب العيش" .بمعنى أن التراث مفهوم واسع، يشمل التراث الطبيعي و التراث الثقافي بمكوناته الاجتماعية و الفكرية و الفنية و التاريخية و العمرانية، و جوانبه المادية و المعنوية و أشكاله القارة و المنقولة" .
    من خلال هذا التعريف لمفهوم التراث نستنتج أن هذا الأخير هو عمق الهوية الوطنية مادام يتأسس على البعد الطبيعي والثقافي و الفني و الاجتماعي و التاريخي و العمراني، فلا يمكن أن نتصور هوية وطنية تفتقر إلى إحدى هذه الركائز التي تسهم كل منها في تحديد معالم شخصية المواطن. و هذا المفهوم للهوية الوطنية ستتبناه سياسة إعداد التراب الوطني-لتتناقض معه كما سنبينه فيما سيأتي- عندما تعتبر أن المواطنة لا يمكن أن تكون بدون هوية، فهي مواطنة مغربية تتعمق جذورها في تاريخنا المتميز، و عليه فان مفهوم الموروث الثقافي و التراث يعتبر من الأسس الجوهرية التي يرتكز عليها إعداد التراب . و من هنا ستعمل سياسة إعداد التراب الوطني على الدعوة إلى تثمين التراث و اعتباره هدفا من أهدافها. بل تطوير هذا التراث و اعتباره اختيارا من اختياراتها الموجهة لسياستها في إعداد التراب .
     لكن من أين يبدأ هذا التراث تاريخيا حتى نشرع في تنزيل و إعمال قاعدتي التثمين و التطوير؟
يجيبنا التصميم الوطني لإعداد التراب :خلاصة:" تشكل المملكة المغربية دولة تضرب جذورها في أعماق تاريخ يبتدئ مع تأسيس مدينة فاس في أواخر القرن الثامن الميلادي..." هذا التأطير الزمني لتاريخ المغرب الذي وصل –بتعبير المؤرخ المقتدرعلي الإدريسي- إلى درجة "اليقين الإيديولوجي" أقصى عهودا تاريخية موغلة في القدم كتلك التي تعود الى عهد الماوريين أو النوميديين. و هي الشعوب الأمازيغية التي اشتهر بدراستها المؤرخ والرحالة الإغريقي سطرابون صاحب كتاب "الجغرافيا"

    هذا التسييج التاريخي المعادي لمفهوم التراث و المخالف لمعنى الهوية الوطنية كما تم تحديدها آنفا لا نجده –كما يذكر المؤرخ المقتدر علي الإدريسي- في الخطاب الرسمي لدى تونس ؛ بل بالعكس هي تكرس ثلاثة آلاف سنة من التاريخ و الحضارة أما الجزائريين فقد اجتهدوا في إبراز دور الحقبة النوميدية باعتبارها مبتدأ الدولة الجزائرية، من أجل تأكيد أسبقية الدولة الجزائرية في التاريخ عن الدولة الفرنسية التي حاولت إنكار الوجود التاريخي للجزائر.

   و من هنا نفهم سبب تغييب مكونات تراث الريف العريق من التمثيل الخرائطي في التصميم الوطني لإعداد التراب  فلا تجد تمثيلا حقيقيا لمملكة النكور
المندرسة قسرا و هي التي تأسست قبل إمارة فاس ب99 سنة أي منذ أن ولي حسان ابن النعمان الغساني على إفريقية من قبل عبد الملك ابن مروان سنة 73 هجرية . كما لا نجد تمثيلا خرائطيا لحاضرة المزمة التي يقول عنها الحسن بن محمد الوزان الفاسي المعروف ب"ليون الإفريقي": "و كانت هذه المدينة قديما في غاية الحضارة كثيرة السكان، دار مقام لأمير هذا الإقليم، لكنها دمرت ثلاث مرات..." وقد طال التهميش المدن المندرسة بتمسمان و الآثار الموحدية ببادس...وصولا الى المآثر الحديثة التي تشهد على الحقبة الاستعمارية كالمركز الإداري بأجدير لقائد حرب الريف التحريرية المجاهد البطل مولاي محند، و قلعة المستعمر الإسباني بأربعاء تاوريرت، و كل بنايات المهندس الإسباني "إمليو بلانكو ذي إساغا"، صاحب كتاب: "المساكن الريفية". كلها طالها التهميش و لم تنل من التثمين شيئا (باستثناء بعض بنايات المستعمر في ساحة فلوريدو) إضافة إلى منزل الأمير بأجدير و منزله بآيت قمرة و أربعاء تروغوت...أما التراث الشعبي الشفهي و ما يتصل به من أساليب العيش و نمط الثقافة الاجتماعية المميزة للشعب الأمازيغي على امتداد تاريخ حضارته فلا زال يلفها النسيان و يحاصرها التهميش.

    إذا، نأمل أن يرفع هذا التهميش اللاحق بتراث الريف وأن يصار إلى توثيقه و تدوينه و ترميمه و تثمينه و تطويره واستغلاله كمنتوج سياحي حتى تستكمل الهوية الوطنية معالمها و يتقوى النسق الثقافي و التنموي ببلادنا ، و لن يتم هذا التوثيق و ذلك التثمين إلا إذا فتح المغرب أبواب تاريخه العريق و الممتد ، و حرر خطابه الرسمي من قيود تتصادم مع حقائق التاريخ و شواهد الواقع.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire